كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكذلك قال الأُوزاعيّ ومن وافقه من أهل الشام.
وكذلك قال الثَّوْرِيّ ومن وافقه من أهل العِراق.
وهو قول اللّيث بن سعد ومن تبعه من أهل مصر.
وكذلك قال الشافعيّ رضي الله عنه وأصحابه.
وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور ويعقوب ومحمد.
قال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا خالف في ذلك إلا النعمان فإنه خالف فيه السنَن وما عليه جُلّ أهل العلم في القديم والحديث.
قال: لا يُسْهَم للفارس إلا سهم واحد.
قلت: ولعله شُبه عليه بحديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين، وللراجل سهمًا.
خرّجه الدَّارَقُطْنِيّ وقال: قال الرمادِيّ كذا يقول ابن نمير قال لنا النيسابوري: هذا عندي وَهَم من ابن أبي شيبة أو من الرّمادي؛ لأن أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بِشْر وغيرهما رَوَوه عن ابن عمر (رضي الله عنهما) بخلاف هذا، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهمًا له وسهمين لفرسه؛ هكذا رواه عبد الرحمن بن بشر عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر؛ وذكر الحديث.
وفي صحيح البخاريّ عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا.
وهذا نَصٌّ.
وقد روى الدَّارَقُطْنِيّ عن الزبير قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أسهم يوم بدر، سهمين لفرسي وسهمًا لي وسهمًا لأُمّي من ذوي القرابة.
وفي رواية: وسهمًا لأُمّه سهم ذوي القربى.
وخرّج عن بشير بن عمرو بن محصن قال: أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرسيّ أربعة أسهم، ولي سهمًا؛ فأخذت خمسة أسهم وقيل: إن ذلك راجع إلى اجتهاد الإمام، فينفذ ما رأى.
والله أعلم.
الخامسة عشرة لا يفاضل بين الفارس والراجل بأكثر من فرس واحد؛ وبه قال الشافعيّ.
وقال أبو حنيفة: يُسْهم لأكثر من فرس واحد؛ لأنه أكثر عناء وأعظم منفعة؛ وبه قال ابن الجَهْم من أصحابنا، ورواه سُحنون عن ابن وهب.
ودليلنا أنه لم ترد رواية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يُسهم لأكثر من فرس واحد، وكذلك الأئمة بعده، ولأن العدوّ لا يمكن أن يقاتل إلا على فرس واحد، وما زاد على ذلك فرفاهية وزيادة عُدّة؛ وذلك لا يؤثّر في زيادة السُّهمان، كالذي معه زيادة سيوف أو رماح، واعتبارًا بالثالث والرابع.
وقد رُوي عن سليمان بن موسى أنه يُسهم لمن كان عنده أفراس، لكلّ فرس سهم.
السادسة عشرة لا يسهم إلا للعتاق من الخيل؛ لما فيها من الكرّ والفر، وما كان من البَراذين والهِجْن بمثابتها في ذلك.
وما لم يكن كذلك لم يسهم له.
وقيل: إن أجازها الإمام أسهم لها؛ لأن الانتفاع بها يختلف بحسب الموضع، فالهِجن والبراذين تصلح للمواضع المتوعّرة كالشعاب والجبال، والعِتاق تصلح للمواضع التي يتأتى فيها الكر والفرّ؛ فكان ذلك متعلقًا برأي الإمام.
والعتاق: خيل العرب.
والهِجن والبراذين: خيل الروم.
السابعة عشرة واختلف علماؤنا في الفرس الضعيف؛ فقال أشهب وابن نافع: لا يُسْهم له؛ لأنه لا يمكن القتال عليه فأشبه الكسير.
وقيل: يسهم له لأنه يرجى برؤه.
ولا يسهم للأعجف إذا كان في حيّز ما لا يُنتفع به، كما لا يسهم للكسير.
فأمّا المرِيض مرضًا خفيفًا مثل الرّهيص، وما يجري مجراه مما لا يمنعه المرض عن حصول المنفعة المقصودة منه فإنه يسهم له.
ويعطى الفرس المستعار والمستأجَر، وكذلك المغصوب؛ وسهمه لصاحبه.
ويستحق السهم للخيل وإن كانت في السفن ووقعت الغنيمة في البحر؛ لأنها معدّة للنزول إلى البر.
الثامنة عشرة لا حق في الغنائم لِلحُشْوة كالأجراء والصناع الذين يصحبون الجيش للمعاش؛ لأنهم لم يقصِدوا قتالًا ولا خرجوا مجاهدين.
وقيل: يُسهم لهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الغنيمة لمن شهد الوقعة». أخرجه البخاريّ.
وهذا لا حجة فيه لأنه جاء بيانًا لمن باشر الحرب وخرج إليه، وكفى ببيان الله عز وجل المقاتلين وأهل المعاش من المسلمين حيث جعلهم فرقتين متميزتين، لكل واحدة حالها في حكمها، فقال: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله} [المزمل: 20].
إلا أن هؤلاء إذا قاتلوا لا يضرهم كونهم على معاشهم؛ لأن سبب الاستحقاق قد وُجد منهم.
وقال أشهب: لا يستحق أحد منهم وإن قاتل، وبه قال ابن القصّار في الأجير: لا يسهم له وإن قاتل.
وهذا يردّه حديث سلمة بن الأكْوَع قال: كنت تَبِيعًا لطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحُسُّه وأخدمه وآكل من طعامه، الحديث.
وفيه: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين، سهمَ الفارس وسهمَ الراجل، فجمعهما لي.
خرّجه مسلم.
واحتج ابن القصّار ومن قال بقوله بحديث عبد الرحمن بن عوف، ذكره عبد الرزاق؛ وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن: «هذه الثلاثة الدنانير حظه ونصيبه من غزوته في أمر دنياه وآخرته».
التاسعة عشرة فأما العبيد والنساء فمذهب الكِتاب أنه لا يُسْهم لهم ولا يُرْضخ.
وقيل: يرضخ لهم؛ وبه قال جمهور العلماء.
وقال الأُوزاعِيّ: إن قاتلت المرأة أسهِم لها.
وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء يوم خَيْبر.
قال: وأخذ المسلمون بذلك عندنا.
وإلى هذا القول مال ابن حبيب من أصحابنا.
خرّج مسلم عن ابن عباس أنه كان في كتابه إلى نَجْدة: تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهنّ فَيُداوِين الجرحى ويُحْذين من الغنيمة، وأما بِسهمٍ فلم يَضرب لهن.
وأما الصبيان فإن كان مطيقًا للقتال ففيه عندنا ثلاثة أقوال: الإسهام ونَفْيه حتى يبلغ، لحديث ابن عمر، وبه قال أبو حنيفة والشافعيّ.
والتفرقة بين أن يقاتل فيُسهم له أو لا يقاتل فلا يسهم له.
والصحيح الأوّل: لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قُريظة أن يقتل منهم من أنبت ويُخْلَى منهم من لم ينبت.
وهذه مراعاة لإطاقة القتال لا للبلوغ.
وقد روى أبو عمر في الاستيعاب عن سَمُرَة بن جُنْدُب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرض عليه الغلمان من الأنصار فيلحق من أدرك منهم؛ فعُرضت عليه عامًا فألحق غلامًا وردّني، فقلت: يا رسول الله، ألحقتَه ورددتني، ولو صارعني صرعته قال: فصارعني فصرعته فألحقني.
وأما العبيد فلا يُسْهم لهم أيضًا ويُرْضخ لهم.
الموفية عشرين الكافر إذا حضر بإذن الإمام وقاتل ففي الإسهام له عندنا ثلاثة أقوال: الإسهام ونفيه؛ وبه قال مالك وابن القاسم.
زاد ابن حبيب: ولا نصيب لهم.
ويفرق في الثالث وهو لسُحْنون بين أن يستقل المسلمون بأنفسهم فلا يُسهم له، أو لا يستقلوا ويفتقروا إلى معونته فيسهم له.
فإن لم يقاتل فلا يستحق شيئًا.
وكذلك العبيد مع الأحرار.
وقال الثَّوْريّ والأوزاعيّ: إذا استعين بأهل الذمة أسهم لهم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يسهم لهم، ولكن يُرضخ لهم.
وقال الشافعيّ رضي الله عنه: يستأجرهم الإمام من مال لا مالك له بعينه.
فإن لم يفعل أعطاهم سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال في موضع آخر: يُرضخ للمشركين إذا قاتلوا مع المسلمين.
قال أبو عمر: اتفق الجميع أن العبد، وهو ممن يجوز أمانه، إذا قاتل لم يسهم له ولكن يرضخ؛ فالكافر بذلك أولى ألاّ يسهم له.
الحادية والعشرون لو خرج العبد وأهل الذّمة لصوصًا وأخذوا مال أهل الحرب فهو لهم ولا يخمّس؛ لأنه لم يدخل في عموم قوله عز وجل: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} أحدٌ منهم ولا من النساء.
فأما الكفار فلا مدخل لهم من غير خلاف.
وقال سُحنون.
لا يخمّس ما ينوب العبدَ.
وقال ابن القاسم: يخمس؛ لأنه يجوز أن يأذن له سيّده في القتال ويقاتل على الدِّين؛ بخلاف الكافر.
وقال أشهب في كتاب محمد: إذا خرج العبد والذميّ من الجيش وغنما فالغنيمة للجيش دونهم.
الثانية والعشرون سبب استحقاق السهم شهود الوقعة لنصر المسلمين، على ما تقدّم.
فلو شهد آخر الوقعة استحق.
ولو حضر بعد انقضاء القتال فلا.
ولو غاب بانهزامٍ فكذلك.
فإن كان قصد التحيز إلى فئة فلا يسقط استحقاقه.
روى البخارِيّ وأبو داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد على سَرِيّة من المدينة قِبل نَجْد؛ فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها، وإنّ حُزُم خيلهم لِيف، فقال أبان: أقسِم لنا يا رسول الله.
قال أبو هريرة: فقلت لا تَقسم لهم يا رسول الله.
فقال أبان: أنت بها يا وَبْرًا تَحَدّر علينا من رأس ضَالٍ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجلِس يا أبان» ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالثة والعشرون واختلف العلماء فيمن خرج لشهود الوقعة فمنعه العذر منه كمرض؛ ففي ثبوت الإسهام له ونفيه ثلاثة أقوال: يفرق في الثالث، وهو المشهور، فيثبته إن كان الضلال قبل القتال وبعد الإدراب، وهو الأصح؛ قاله ابن العربيّ.
وينفيه إن كان قبله.
وكمن بعثه الأمير من الجيش في أمر من مصلحة الجيش فشغله ذلك عن شهود الوقعة فإنه يسهم له؛ قاله ابن المَوّاز، ورواه ابن وهب وابن نافع عن مالك.
وروي لا يسهم له بل يُرْضخ له لعدم السبب الذي يستحق به السّهم، والله أعلم.
وقال أشهب: يُسْهم للأسير وإن كان في الحديد.
والصحيح أنه لا يُسهم له؛ لأنه ملك مستحَقّ بالقتال؛ فمن غاب أو حضر مريضًا كمن لم يحضر.
الرابعة والعشرون الغائب المطلق لا يُسْهم له، ولم يُسهِم رسول الله صلى الله عليه وسلم لغائب قطّ إلا يوم خيبر؛ فإنه أسهم لأهل الحُدَيْبِية مَنْ حضر منهم ومَن غاب؛ لقول الله عز وجل: {وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20]؛ قاله موسى بن عقبة.
ورُوي ذلك عن جماعة من السلف.
وقسم يوم بدر لعثمان ولسعيد ابن زيد وطلحة، وكانوا غائبين؛ فهم كمن حضرها إن شاء الله تعالى.
فأما عثمان فإنه تخلّف على رُقَية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره من أجل مرضها.
فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره؛ فكان كمن شهدها.
وأما طلحة بن عبيد الله فكان بالشام في تجارة فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره؛ فيعدّ لذلك في أهل بدر.
وأما سعيد بن زيد فكان غائبًا بالشام أيضًا فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره.